بسم الله الرحمن لرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. مشكلتي -الله يجزاكم الخير- مع أختي الصغرى التي تبلغ من العمر 14 عام.
مدللة عند أمي فلا ترفض لها طلب وقريبة منها, علاقتي جيدة بها فهي مقربة مني وكثيرا ما تتحدث معي بحكم انني أختها الكبرى ومستمعه جيدة لها.
لكن ان أظهرت لها استيائي او غضبي عن بعض أفعالها سواء بالاشارة أو بالكلام, فتبدأ بالصراخ والبكاء والضرب بحاله هستيرية.
فتنقلب من طفلة بريئة الى وحش عنيف وكثيرا ما تؤذيني بضربها.فرغم أنها لا تعتذر لي عن ما بدر منها الا أنني أشعر أنها تشعر بالذنب. فبعد مرور الوقت ترجع علاقتنا وكأن شيئا لم يحدث..
حاليا صرت ابتعد عنها ولا أكلمها علها تبدأ وتعتذر -لا أتوقع اعتذاهاأبدا- لكنني متضايقة من ابتعادي عنها لكن ان رجعت فستهدر كرامتي!!!
فجزاكم الله خير الجزاء على مجهودكم أسال الله ان يجعله في ميزان حسناتكم
بسم الله الرحمن الرحيم.. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:
ابنتي الحبيبة منيرة... شكر الله لك حسن اهتمامك بأختك ، من خلال فتح قلبك وعقلك معها في حوار دائم ومستمر.
ثم اللجوء لنا لأخذ الرأي والمشورة ، فهذا دليل وعيك ورجاحة عقلك ، فنعمَ الأخت أنتِ ، ونعمَ الابنة أنتِ.
ابنتي العاقلة ..
تعتبر المرحلة العمرية التي تعيشها أختك من أهم وأخطر المراحل العمرية على الإطلاق وهي مرحلة (المراهقة )، و بعض المراهقين يعبرون هذه المرحلة بهدوء ويستطيعون التكيف مع التغيرات الداخلية ومتطلبات الأسرة والمجتمع .
لكن البعض الآخر يمر بأزمات داخلية و صراعات داخل الأسرة ومع المجتمع. ومرحلة المراهقة تمتد في الغالب من سن 13 إلي 21 عاما، وهي مرحلة تغير كلي وشامل و تنقل الطفل أو الطفلة من فترة الطفولة إلى مرحلة الشباب والنضج .
وتشمل هذه الفترة تغيرات كبيرة وسريعة في كافة مجالات النمو البدني و الجنسي و العقلي و العاطفي و الاجتماعي ، وهذه الفترة تحتاج إلى عناية خاصة ومتأنية منك ، ومن أمك حتى تستطيعا التعامل الصحيح معها بناء على خصائص هذه المرحلة ومتطلباتها.
وهنا سأعطيك فكرة موجزة علي أهم سمات هذه المرحلة حتى تكوني علي دراية واضحة، ومن ثمَ بعد ذلك يسهل التعامل معها وعلاج ما قد يظهر من اضطراب في سلوكياتها والله المستعان.
من أبرز ما تتميز به تلك المرحلة هو محاولة المراهقة جذب انتباه المحيطين بها بشتى الوسائل فإن كانت لديها ما تتميز به من تفوق في الدراسة أو في أي نشاط آخر كالشعر أو الإلقاء أو التمثيل أو غير ذلك.
استطاعت صب كل اهتمامها في ذلك النشاط ، وإلا فتعمد إلى لفت انتباه الآخرين بعمل سيئ مثل إحداث خصومات مع الوالدين والأخوة أو المحيطين بها.
ولهذا من المهم إيجاد متنفس لها لشغل وقت فراغها بما يفيدها ويشبع لديها هواية تحب ممارساتها . كما أن من سمات هذه المرحلة أن المراهق يفسر الأمور علي هواه بغض النظر هل هو صحيح أو خطأ.
فهو علي صواب دائما والآخرين من حوله في خطأ – هذا بالطبع في اعتقاد المراهق أو المراهقة - كما أن المراهق يظهر عليه حب العناد والاستقلالية والتمركز حول الذات.
وهذه علامات نضج بشرط أن نحسن فن التعامل معه حتى لا تصبح عناداً مرضياً. يضاف إلى ذلك حساسية المراهق و المراهقة للنقد حيث يرى المراهق نفسه مختلفا عن والديه ، ولا يراهما مثاليين كما كان سابقا فيحدث التمرد ويبدأ برفض كل ما يقدمونه حتى لو كان معقولا.
ويصاحب ذلك انفعالات متقلبة وحادة بالإضافة إلي سرعة الغضب وعدم ضبط العواطف والبكاء والثورة التي تحدث وتكون ناتجة من الهرمونات الجنسية والتي تجعل من المراهقة شديدة الانفعال ،فهذه مرحلة عمرية سوف تنتهي بسلام بإذن الله تعالي.
وبعد التعرف علي السمات الأساسية لمرحلة المراهقة نوضح وسائل التعامل مع المراهق أو المراهقة،وهي كالتالي:
أولا - نبدأ بأهم وسيلة وهي ترسيخ مشاعر الحب بين المراهقة وأسرتها وبخاصة الأم أو الأخت الكبرى، مع إظهار مشاعر الحب، بحيث تشعر المراهقة بأن علاقة الحب هذه لا ولن تتبدل أو تتغير مهما حدث من مشاكل أو اضطراب فهي قاعدة آمنة و ثابتة لا يزلزلها أو يحركها شيء.
وللوصول إلى هذه العلاقة يلزم من الأم أو من الأخت الكبرى الانفتاح مع المراهقة وإشعارها بهذا الحب ،مثل أن تعزمها على طعام عشاء لذيذ في مكان جميل.
أو أخذ الشاي معها في غرفتها أو الخروج في تمشية معا والأيدي متشابكة ، أو تقديم هدية لها ، فللهدية فعل السحر في نفس المراهقة وبخاصة إذا كانت من الأم أو الأخت فهي تعني لها الكثير .
كل هذه الأفعال ستقوي من علاقة الحب والمودة مع المراهقة. وليس التعبير عن الحب بالأفعال فقط ولكن من المهم التعبير عنه بالكلمات، والسلوكيات كالسلام والمصافحة والسؤال والاحتضان.
كل ذلك يشبع العاطفة عند المراهقة ويفرغ هذه الشحنات الايجابية إلي داخل الأسرة ،وبذلك نجنب المراهقة الحرمان العاطفي الذي ربما قد يستغل من قبل أشخاص من خارج الأسرة.
ثانيا- الصداقة ثم الصداقة ثم الصداقة ، ولهذا عليك باستمرارية الصداقة بينك وبين أختك مهما فعلت و كوني حيادية في التفكير إذا استشارتك في أمر ما، ووضحي لها ايجابياته وسلبياته بإيجاز وموضوعية.
وبكل حكمة انهي الاستشارة بجملة واحدة هي افعلي ما تعتقدين أنه في صالحك؛ فالمراهقة تحتاج إلى العديد من الفرص لتتعلم من أخطائها علي ألا يكون ذلك في مخالفة لأمر شرعي أو سيترتب عليه إلحاق ضرر يصعب احتواءه.
ثالثا- المدح..والمقصود بالمدح ، مدح شخصها وتفكيرها وشكلها وجمال ملبسها المحتشم وحياءها وذوقها، ورجوعها للحق وأدبها وجميل أخلاقها.
وليس من الضروري أن يكون هذا المدح في أشياء جميلة أو لافتة للنظر ، بل يكون المدح في أمور عادية ، ولكن نمدحها حتى نشجعها علي الاستمرار فيها. مع ملاحظة ألا نمدحها في أمر معيب أو خطأ ارتكبته أو سلوك خاطئ.
رابعا- الاحترام وتقدير الذات ، ويتم ذلك علي مرآي ومسمع من الجميع بحيث يكون ذلك سلوكا طبيعيا ،فالمراهقة لا تريد أن تعامل كطفلة، بل تريد أن تشعر بأنها فتاة ناضجة، مع ضبط النفس من الأهل عند الغضب والتعامل بهدوء ومرونة عند الخطأ، فيجب عدم التركيز علي التهديد والعقاب ،ولكن يكون قبول العذر هو الأساس.
ويتم النقد للسلوك وليس للمراهقة، و التوقف تماما عن الانتقاد و السخرية حتى ولو على سبيل المزاح.
كما يجب محادثة أختك بعد أن تهدأ ومناقشتها بهدوء وعقلانية والابتعاد عن المحاضرات .
ولكن هذا لا يعني أن نلتمس كل العذر لأختك للتصرف بهذا السلوك معك أو مع أخوتها.
ولكن علي الأم محاسبتها إذا ما تجاوزت في سلوكها وانفعالاتها ، والتركيز معها علي أنها مكلفة ومسئولة عن تصرفاتها وأن مثل هذه السلوكيات لا يرضي الله عنها ، ويكون ذلك بكل هدوء وحب واحترام وتقدير.
خامسا- تحمل المسئولية ،وذلك عن طريق إسناد بعض المهام إلي المراهقة في المنزل مثل المشاركة في تقدير ميزانية المنزل وشراء بعض الحاجيات الخاصة بالعائلة ،و تقديم المساعدة لها بمعاونتها علي انجاز ما تقوم به من عمل.
وتحفيزها عند انجاز أي مهمة بالحوافز المعنوية كالشكر والثناء وإبداء الرضا عنها ، وأيضا بالحوافز المادية كالهدية وزيادة المصروف أو الخروج معها في مكان محبب إليها .
ويقصد من الحوافز تغيير سلوك غير سوي أو استقرار وتعزيز سلوك حسن. فتنمية المسئولية عملية تربوية تحتاج لتمرين ،وإعطائها الثقة في ذلك لتنفيس هذه الطاقة الكامنة في داخلها كما يساعدها ذلك في تحقيق ذاتها.
ولن تتعلم المسئولية إلا من خلال الممارسة ومن خلال الصواب والخطأ، ومن خلال القدرة علي اتخاذ القرار، والتخطيط للمستقبل. وهنا أنصحك كما أنصح جميع الأمهات أن تكون الثقة ببناتنا المراهقات مقننة وبحدود .
سادسا- إشغال وقت فراغها بما يفيد حتى لا يبقى لها وقت فراغ ، ومن أحسن ما تستغل به الأوقات تسجلها في دور تحفيظ القرآن الكريم ، والمشاركة في أعمال الخير، ومشاهدة البرامج الهادفة في القنوات الفضائية، وقراءة الكتب المفيدة ، وسماع أشرطة بعض الدعاة الذين اشتهروا بالأسلوب الطيب الذي يعالج مشاكل الشباب ويساهم في تعديل السلوك الغير منضبط.
سابعا- إدماجها مع رفقة صالحة من الصديقات أو زميلات الدراسة أو القريبات اللائي يتسمن بالأخلاق الحميدة ، والمحافظة علي العبادات وطاعة الله فيكن عونا لها علي كل خير.
ثامنا- غرس التدين والضوابط الأخلاقية في نفس المراهقة من غض للبصر وحفظ للسمع مع تقوية الجانب الديني ، وإشعارها بأن الله رقيب عليها ومحاسبها علي كل أفعالها. وتعريفها أن من الأخلاق التحكم في الذات، والسيطرة على النفس، والتفاهم مع الناس بالكلمة الطيبة، وليس من الأخلاق اللسان السليط.
ولكن الدين أمرنا أن نتعامل مع الناس بالحسنى، خصوصًا الوالدين.
وهنا لفت نظري في رسالتك جملة شدتني ولفتت نظري وهي أن أختك بعد ثورتها تشعر بالذنب.
وهنا يجب استثمار هذا الشعور وتنميته ففيه الخير كل الخير وإن لم تتلفظ أختك بالاعتذار.كما أنصحك عزيزتي منيرة باللجوء إلي الرقية الشرعية مع أختك ، فبإذن الله ستتبدل ثورتها إلي هدوء وسكينة واطمئنان.
تاسعا- التلميح دون التصريح في لفت نظرها للسلوكيات الخاطئة المزعجة التي تقوم بها ، والتي تعتبر نوعا من الضغط أو الابتزاز العاطفي والتي تعتبر أيضا من السلوكيات السلبية التي أحيانا نعززها في بناتنا بحسن نية، واستعمال أسلوب الإقرار الذاتي ، بحيث تقوم أختك بالإقرار من نفسها علي نفسها بالخطأ الذي وقعت فيه.
وهذا يكون بالسؤال غير المباشر الذي يؤدي إلي الإجابة المباشرة. كذلك يجب علي الأم أن يكون لها دورا واضحا في أن تضع ضوابط واضحة لأسرتها فيما هو مقبول وفيما هو غير مقبول ويلتزم الجميع بذلك.
وتعلم أختك أنها ليست مميزة عن باقي أخوتها بل أنتم جميعا سواء.
ولا تهملي أبدا أن تطلبي من أمك أن تنهي أختك وأن تعنفها عند التصرف بوقاحة،وإن كنت أري أن تكوني أنتِ الصدر الحنون لها عند تعنيف أمك لها ، مع التلميح لها ولو بالإشارة لسوء ما تفعله، والتركيز علي أن تكوني أنت القدوة في تنفيذ هذه الضوابط.
كما يجب إسقاط بعض العقوبات عند التمادي في سلوك سيء كعدم الاهتمام بها ، أو النظر إليها بعتاب أو حرمانها من شيء تحبه، مع تقبلها عند الاعتذار أو التخلص من السلوك السيئ ، ونسيان ما كان منها.
عاشرا- إعطاء الفتاة المراهقة مساحة من الحرية المنضبطة، وإبداء الرأي والتعبير عما يجول بنفسها دون مقابلة ذلك بالنقد ،أو تصيد الأخطاء أثناء عرض وجهة نظرها، وعدم مقاطعتها كلما وجدتِ تناقض في كلامها أو خطأ.
وذلك حتى لا تتراجع عن الصراحة معكِ، وأحسني الإنصات إليها ، وتبادلي الآراء معها وتعوديها علي عرض وجهة نظرها ، وتعريضها علي المواقف المختلفة التي تعودها المشاركة والمبادرة .
لكن هذا لا يعني ترك الحبل على الغارب ، فهناك ضوابط دينية و أخلاقية و اجتماعية لا بد من مراعاتها لكن المرونة مطلوبة. مع تجنب رفع الصوت عند النقاش أو النظر الحاد حتى لا يشيع هذا السلوك في البيت ويعتاده الأبناء.
أحد عشر- الدعاء الخالص لله سبحانه وتعالي لها بالهداية والصلاح والتضرع إليه خاصة في أوقات إجابة الدعاء، وكما يكون الدعاء بظهر الغيب ،أدعي لأختك أمامها أن يجعلها في أفضل حال ويرزقها ما تتمناه وشجعيها علي أن تدعو لنفسها بكل خير وتدعو لك أنت أيضا أن يرزقك الله الجنة.
ابنتي العاقلة منيرة... تحدثتِ عن دورك مع أختك في هذه المشكلة ،كما تحدثتِ عن أمك ،وإن كنت أري أن دور أمك يحتاج إلي مزيد من المتابعة ، كما أني لم أجد لدور الأب أي بيان في رسالتك ، لأنه لابد وأن يكون للأب دور، فالأب صاحب السلطة والسيطرة.
فلابد من تواجده ومعرفته بكل ما يحدث في البيت وما يخص أفراد عائلته ، علي أن يكون دوره يتسم بالهدوء والتوازن من جهة ، ومن الجهة الأخرى يتسم بالحسم والحزم وليس بالبطش.
ويقرر الحل المناسب لأي إشكالية تحدث، كما يقرر أيضا العقاب المناسب دون الرضوخ أو التنازل عن حق أحد لصالح أخرمن أفراد الأسرة.
وفي الختام ..
أدعو الله لكِ ولأختك وبنات المسلمين أجمعين أن يحفظهن ويبعد عنهن السوء ورفيقات السوء ويجنبهن مزالق الفتن ويكن بإذن الله تعالي زهرات هذه الأمة يحملن رايات الإسلام خفاقة في كل مكان... اللهم آمين.
الكاتب: أ.د. سميحة محمود غريب
المصدر: موقع المستشار